ثري من عائلة أرستقراطية.. عمر بن سعيد عالم سنغالي قادته الأقدار للعبودية في أميركا
عمر بن سعيد، عالم ومثقف سنغالي ينحدر من عائلة ثرية أرستقراطية، حافظ للقرآن الكريم، وضليع في العلوم الشرعية، بعد حجه بيت الله الحرام، رجع لبلده وكرس نفسه للتجارة والتدريس، إلى أن خُطف ثم هُجّر قسرا للولايات المتحدة الأميركية، ثم بيع في سوق للعبيد، فانقلبت حياته من نعيم إلى جحيم.
المولد النشأة
ولد عمر بن سعيد عام 1770 في منطقة “فوتا تورو” بين نهري السنغال وغامبيا، من عائلة مسلمة تعود أصولها لقبيلة “الفولان” التي بلغ عام 2022 عدد أفرادها قرابة 40 مليونا في أفريقيا.
نشأ وتربى في محيط ملتزم بمبادئ الشريعة الإسلامية ونهجها في الحياة، وبين عائلة ثرية لها أملاك كثيرة ومتنوعة.
عندما كان عمره 5 سنوات توفي والده في معارك وحروب قبلية وأهلية، فغادرت عائلته منطقة “فوتا تورو” ليستقر بها الحال في مدينة “بوندو” السنغالية.
وقد كانت عائلته من الأرستقراطيين والأثرياء، حيث ذكر في مذكراته التي كتبها عام 1831 أن أسرته كانت كل عام تخرج الزكاة من الذهب والبقر والغنم ومحاصيل الزراعة.
الدراسة والتكوين
تلقى عمر بن سعيد بواكير تعليمه على يد شقيقه الشيخ محمد سيد بن سعيد، وبعد ذلك تنقل بين المدارس القرآنية والشرعية طالبا العلم لمدة 25 عاما من عمره.
عندما كان عمره 5 سنوات توفي والده في معارك وحروب قبلية وأهلية، فغادرت عائلته منطقة “فوتا تورو” ليستقر بها الحال في مدينة “بوندو” السنغالية.
وقد كانت عائلته من الأرستقراطيين والأثرياء، حيث ذكر في مذكراته التي كتبها عام 1831 أن أسرته كانت كل عام تخرج الزكاة من الذهب والبقر والغنم ومحاصيل الزراعة.
ومن أبرز الشيوخ الذين درس عليهم بعد أخيه، الشيخ سليمان كمبه والشيخ جبرائيل.
الوظائف والمسؤوليات
وبعدما أكمل دراسته في المدارس الإسلامية رجع لمنطقة “فوتا تور” ومارس التجارة وامتهن تدريس العلوم الشرعية لمدة 6 سنوات.
وخلال هذه الفترة من حياته شارك في الحروب الجهادية ضد القبائل الوثنية في غرب أفريقيا.
وفي مرحلة مبكرة من عمره أدى فريضة الحج، ويتوقع أنها كانت في الفترة الواقعة بين عام 1800 و1805.
الطريق نحو العبودية
في سنة 1807 وعندما كان في الـ37 من عمره اندلعت حروب عرقية في منطقة “فوتا تور”، فوقع أسيرا في أيدي قبائل البامبارا الذين باعوه لتجار العبيد في ميناء “سان لويس” بالسنغال، وتم ترحيله قسرا عبر البحر إلى الولايات المتحدة الأميركية.
وبعد رحلة دامت شهرا ونصفا على متن سفينة، وصل إلى مدينة “تشارلستون” في ولاية كارولينا الجنوبية، وهنالك تم بيعه لرجل عُرِف بقسوته وشدته.
وبعد سنوات من تعرضه لسوء المعاملة هرب من سيده، ولكن قبض عليه في “فايتفيل” بولاية كارولينا الشمالية، وهناك زج به في سجن انفرادي.
في سجنه كان يكتب على الجدران بعض الأفكار والملاحظات باللغة العربية، فأثار ذلك انتباه المسؤولين عن السجن وبعض الأشخاص المهمين، فاشتراه الجنرال جيمس أوين (شقيق جون أوين حاكم ولاية كارولينا الشمالية) وأخرجه من السجن، وذهب به لمزرعته في مقاطعة بلادين.
كان عمر شخصا أمينا وملتزما وذا أخلاق رفيعة، كما كان يحظى بثقة كبيرة من قبل سيده الجديد الذي عامله بإنسانية ولطف شديدين.
تحولات فكرية
كان عمر متمسكا بالدين الإسلامي ومواظبا على الصوم والصلاة في الفترة الأولى من أسره، وتعرض لمحاولات تنصير، ورفض مستعبدوه أن يوفروا له كتب اللغة العربية إلا نسخة مترجمة من الإنجيل.
وتقول بعض الروايات إنه اعتنق المسيحية سنة 1820، لكن عددا من الباحثين المعاصرين يقولون إن ذلك كان قهرا وظاهريا فقط، وإنه ظل ملتزما بالدين الإسلامي خفية، كما تبرهن على ذلك مذكراته التي كتبها عام 1831.
وقد بدأ مذكراته بالقرآن الكريم وخصص جزءا منها للمدائح المحمدية، كما كتب على بطاقة شخصية له تعود لسنة 1857 آية من القرآن الكريم في سورة النصر وهي “ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا”.
وخلال حياته التي قضاها عبدا مملوكا في الولايات الأميركية، استطاع لفت أنظار الباحثين والكتاب نظرا لثقافته العالية وتعليمه الجيد، فكتبت عنه الصحف والمجلات. ففي سبتمبر/أيلول 1854 نشرت مجلة جامعة كارولينا الشمالية مقالا عن قصته وحياته وثقافته.
المؤلفات
رغم أن عمر بن سعيد قضى ما يربو على 50 عاما من عمره في خدمة أسياده في الولايات المتحدة، وكان في معزل عن القراءة والكتابة وكل ما يمت للعلم بصلة، فإنه استطاع أن يكتب مذكراته باللغة العربية عام 1831.
المذكرات كتبت في 28 صفحة روى فيها مسار حياته، وظروف اختطافه وبيعه للمسيحيين، وما عاناه من ظلم الحياة وتقلبات الزمان. وافتتحها بسورة الملك، وهي ديباجة تبرهن على انكساره ووقع مرارة العبودية على قلبه، ولأنها كتبت بلغة لا يفهمها أسياده لم يكن لهم تأثير عليها.
وتعتبر هذه هي المذكرات الوحيدة التي كتبها باللغة العربية أفريقي مستعبد في الولايات المتحدة الأميركية.
واختفت مذكرات عمر بن سعيد بعد كتابتها ولم يعثر عليها إلا في نهاية القرن الـ20 وبقيت متداولة في مجموعات خاصة قبل أن تصبح في حيازة مكتبة الكونغرس ويتم ترقيمها وعرضها للعالم عام 2019.
الوفاة
توفي عمر بن سعيد سنة 1864 ودفن بمقاطعة بلادين في ولاية كارولينا الشمالية قبل إلغاء قانون الرق في الولايات المتحدة الأميركية بعام واحد.